باكستان- صراع السلطة بين الجيش، خان، والأحزاب السلالية

المؤلف: أحمد موفق زيدان11.12.2025
باكستان- صراع السلطة بين الجيش، خان، والأحزاب السلالية

الجيش الباكستاني ربما يكون قد مني بهزيمة تكتيكية في صراعه المحتدم مع حزب "الإنصاف" بقيادة عمران خان، الذي يواجه الآن قيودًا في السجن، إلا أن هذا لا يمثل هزيمة استراتيجية شاملة. فكما أظهر التاريخ الباكستاني، الذي شهد تقاسم السلطة بين المؤسسة العسكرية والمدنيين، يتمتع الجيش بقدرة فائقة على التعافي والنهوض من رماد المعارك السياسية، ليظهر أكثر قوة وتأثيرًا.

مع ذلك، فإن هذه المواجهة تختلف جوهريًا عن سابقاتها. فالظروف الداخلية لباكستان تشهد تحولات عميقة، بالإضافة إلى التغيرات الإقليمية الملحوظة، والتي أدت إلى تراجع أحزاب سياسية عريقة ذات جذور عائلية، كما رأينا في حالة آل غاندي في الهند وبانداريكا في سريلانكا. هذا التحول الإقليمي له تأثير كبير على باكستان، نظرًا للعلاقات التاريخية الوثيقة والمتشابكة بين دول المنطقة، حيث تشترك في إرث سياسي موحد تحت الحكم البريطاني لعقود طويلة.

يعزو بعض المحللين الصعود القوي لعمران خان إلى التدهور الاقتصادي الحاد الذي شهدته باكستان بعد عزله، بما في ذلك التضخم غير المسبوق وارتفاع الأسعار بشكل كبير.

السُّلاليون يتحالفون

على الرغم من القيود والتحديات التي واجهها حزب عمران خان، فقد حقق أكبر فوز برلماني، حيث حصل على حوالي 100 مقعد في الجمعية الوطنية من أصل 266. وجاء حزب "الرابطة الإسلامية" بزعامة نواز شريف في المرتبة الثانية بحصوله على 63 مقعدًا، بينما حصل حزب "الشعب الباكستاني" بزعامة آصف زرداري وابنه بيلاول بوتو زرداري على 50 مقعدًا فقط.

اليوم، يشهد المشهد السياسي الباكستاني تحالفًا بين الأحزاب السلالية، التي تمثلها عائلتا شريف وبوتو، اللتان حكمتا باكستان بالتناوب. هذا التحالف، الذي يهدف إلى تشكيل الحكومة المقبلة بقيادة نواز شريف، يعكس إدراكًا مشتركًا للخطر الذي يمثله حزب "الإنصاف" الصاعد بزعامة عمران خان، والذي تفوق عليهما في الانتخابات الأخيرة.

لم يعد حزب عمران خان يمثل تهديدًا للمؤسسة العسكرية فحسب، بل أيضًا للأحزاب السلالية، التي لطالما تذبذبت علاقتها بين التوتر والتوافق مع الجيش. ومع ذلك، تلتزم هذه الأحزاب بحد أدنى من القواعد السياسية التي تسمح للجيش بلعب دور محوري في البلاد، سواء بشكل مباشر عبر الانقلابات العسكرية، أو عبر أدوات أخرى مثل مؤسسة الرئاسة أو القضاء.

يبدو أن الحكومة الباكستانية المقبلة ستواجه تحديات جمة، بدءًا من ضعف التفويض الشعبي، حيث يجلس الفائز الأكبر في الانتخابات في المعارضة، وصولًا إلى التنازع على السلطة في الحكومات المحلية الأربع بين مختلف القوى السياسية.

تتجه حكومة البنجاب، وهي الإقليم الأهم في باكستان، لتكون من نصيب حزب "الرابطة الإسلامية" وحزب "الشعب"، ومن المقرر أن تتولى مريم نواز شريف رئاسة الحكومة. ومع ذلك، ستواجه هذه الحكومة معارضة قوية، حيث يمتلك حزب عمران خان 114 مقعدًا في برلمان البنجاب، مقابل 138 مقعدًا لحزب نواز شريف، وهو فارق ضئيل يجعل أي حكومة بنجابية تشعر بالضعف أمام المعارضة.

الأمر نفسه ينطبق على الحكومات الإقليمية الأخرى المتنازع عليها بين الأحزاب الفائزة، مما يجعل الحكومة المركزية أسيرة لابتزازات الأحزاب الحاكمة في الأطراف.

خان والخطر على العسكر والسلاليين

أثبت حزب "الإنصاف" بزعامة عمران خان أنه كلما أُجبر على العودة إلى الشعب لنيل تفويضه، يزداد قوة وتأييدًا. فعلى الرغم من حداثة تأسيسه، تمكن الحزب من هزيمة حزبين رئيسيين سيطرا على الساحة السياسية لعقود، وتحدى المؤسسة العسكرية بقوة، بل وأضر بسمعتها عندما هاجم أتباعه مقراتها وأحرقوا بعضها.

وتجرأ عمران خان، المسجون حاليًا، على انتقاد قائد الجيش الجنرال عاصم منير والجيش بشدة، بسبب تدخلهم في السياسة الداخلية، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ العلاقة بين السياسي والعسكري في باكستان.

وبعد عزله من الحكم في أبريل/نيسان 2022، خاض عمران خان انتخابات تكميلية للتنافس على 20 مقعدًا، وحقق فوزًا ساحقًا بـ 15 مقعدًا، مما أظهر للقوى المعارضة أنه قوة لا يستهان بها وأن شعبيته في ازدياد مستمر.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، جرت انتخابات تكميلية أخرى على سبعة مقاعد، فاز فيها حزب عمران خان بستة مقاعد، مما أثار دهشة المعارضين والمشككين في قدرته على الفوز.

إلا أن انتخابات 8 فبراير/شباط الأخيرة كانت بمثابة الصدمة الأكبر، ليس للأحزاب المعارضة فحسب، بل أيضًا للجيش، الذي كان يراهن على فوز كبير لنواز شريف. هذا الرهان لم يتحقق، حيث تفوق عمران خان على الأحزاب الرئيسية في الفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية.

هذا الظهور القوي لعمران خان، على الرغم من الاتهامات والإدانات التي يواجهها، شكل صدمة حقيقية للجيش قبل غيره من القوى السياسية. ويتساءل البعض عن سر هذه العودة القوية والسريعة لخان، حيث يعزوها البعض إلى موقفه المتشدد ضد الجيش وتحديه له، وهو ما يلقى استحسانًا لدى جيل الشباب وجيل الألفية، الذين شاركوا بأعداد كبيرة في الانتخابات الأخيرة. ويعزوها آخرون إلى التدهور الاقتصادي الذي شهدته باكستان بعد عزله، بما في ذلك التضخم وارتفاع الأسعار.

بالإضافة إلى التهديد الداخلي الذي يمثله خان للقوى السياسية والعسكرية، فإنه يمثل أيضًا تهديدًا خارجيًا، حيث وجه رسالة إلى صندوق النقد الدولي يحثه فيها على عدم دعم الحكومة الباكستانية بقرض جديد.

كرة التفويض بشباك السياسيين

الآن، الكرة في ملعب السياسيين الباكستانيين، الذين يجب عليهم أن يتعاملوا بحكمة مع الوضع السياسي الراهن وأن يتعاونوا فيما بينهم لقطع الطريق على الجيش، الذي لطالما استغل الانقسامات والصدوع في جدار السياسة الباكستانية للتدخل في شؤون البلاد.

تعود الذاكرة الشعبية الباكستانية إلى عام 2008، عندما أجبرت الأحزاب السياسية برويز مشرف على القبول بنتائج الانتخابات وشكل حزبا "الشعب" و"الرابطة" تحالفًا، مما مكن حزب "الشعب" من تأسيس حكومة أكملت ولايتها لأول مرة في تاريخ باكستان. واليوم، يرد حزب "الشعب" الجميل بتشكيل تحالف لتشكيل حكومة بدون عمران خان.

هذا التحالف، الذي يضم حزب "الرابطة الإسلامية" وحزب "الشعب الباكستاني" وأحزابًا صغيرة أخرى، أفضى إلى تفويض نواز شريف بتشكيل حكومة جديدة، ليصبح رئيس الوزراء الرابع والعشرين في تاريخ باكستان، ورئيسًا للحكومة للمرة الرابعة في تاريخه.

يبقى الفيصل في منع تدخل الجيش في السياسة الباكستانية هم السياسيون أنفسهم. فإما أن يتفقوا على قواعد لعبة سياسية خاصة بهم ويلتزموا بها، وإما أنهم سيتحملون مسؤولية أي تدخل عسكري في الشأن السياسي الباكستاني.

الناخب الباكستاني، لاسيما بعد تحدي عمران خان للمؤسسة العسكرية، سيحمل السياسيين المسؤولية عن أي تدخل عسكري، بسبب عجزهم عن التوصل إلى صيغة للتعاون والتنسيق فيما بينهم.

يثير الكثيرون تساؤلًا مشروعًا: لماذا يفر قادة الأحزاب السياسية إلى الخارج بعد انتهاء فترات حكمهم؟ هذا الأمر تكرر مع قادة حزب "الشعب" وحزب "الرابطة"، وآخرها عودة نواز شريف من المنفى الاختياري في لندن. بينما يختار الجنرالات والضباط البقاء في باكستان، مما يرسخ قناعة لدى الناخب الباكستاني بأن السياسيين ليسوا رجال دولة حقيقيين، بل مجرد رجال حكم يسعون إلى السلطة. ويستحضر الكثيرون هنا مثال أليكسي نافالني، الذي فضل البقاء في روسيا على مغادرتها، حتى لو كلفه ذلك حياته.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة